لغز في قلب مجرتنا… توهج غامض لأشعة غاما يحيّر العلماء
منذ اكتشافه قبل أكثر من 15 عامًا، لا يزال التوهّج الغامض المنبعث من مركز مجرة درب التبانة أحد أكثر الظواهر إثارة في علم الفلك الحديث. هذا الضوء، المكتشف بواسطة تلسكوب فيرمي الفضائي لأشعة غاما التابع لوكالة ناسا بعد إطلاقه عام 2008، يتكوّن من أشعة غاما عالية الطاقة لا يمكن تفسيرها بالكامل بالمصادر المعروفة في قلب المجرة.
في السنوات الأولى، اعتقد العلماء أن هذا الانبعاث ربما يكون نتيجة تفاعلات لجسيمات المادة المظلمة — تلك المادة غير المرئية التي تشكّل أكثر من 80٪ من كتلة الكون. غير أن تحليلات حديثة، باستخدام بيانات فيرمي الممتدة لأكثر من عقد، بدأت ترجّح فرضية أخرى أكثر واقعية.
فرضية النجوم النيوترونية السريعة: الأقرب إلى الحقيقة
تشير دراسات حديثة نُشرت في مجلتي نيتشر أسترونومي (2023) وفيزيكال ريفيو دي (2024) إلى أن التوهّج يمكن تفسيره إلى حدّ كبير بوجود آلاف من النباضات الميللي ثانية (ميللي سكند بولسارز) — وهي نجوم نيوترونية سريعة الدوران تُصدر إشعاعًا قويًا من أشعة غاما.
وتدعم هذه الفرضية تحليلات أنماط الإشعاع التي أجراها فريق من هارفارد–سميثسونيان سنتر فور أستروفيزيكس، حيث تبيّن أن توزيع الضوء ليس متجانسًا، بل يظهر على شكل نقاط دقيقة تتطابق مع سلوك النجوم النابضة وليس مع إشعاع منتشر من تفاعلات مادية مظلمة.
كما أن بيانات مرصد فيرمي (فيرمي-لات) الممتدة حتى عام 2024 أظهرت أن الطيف الطاقي للضوء يتطابق بدقة مع الإشعاعات المعروفة للنجوم النيوترونية القديمة الموجودة في الانتفاخ المجري (جالاكتيك بولج).
المادة المظلمة… الفرضية التي ترفض الاختفاء
مع ذلك، لم تُستبعد فرضية المادة المظلمة بالكامل. ففي دراسة جديدة نُشرت في فيزيكال ريفيو ليترز في أكتوبر 2025، استخدم باحثون من ماكس بلانك إنستيتيوت فور أستروفيزيكس محاكاة ثلاثية الأبعاد أظهرت أن توزيع المادة المظلمة في مركز المجرة يمكن أن ينتج إشعاعًا مشابهًا من حيث الشكل والسطوع.
ويرى مؤيدو هذا التفسير أن كلا السيناريوهين قد يكونان صحيحين جزئيًا — أي أن الجزء الأكبر من التوهج مصدره نجوم نيوترونية، مع مساهمة محدودة من تفاعلات المادة المظلمة في أعمق مناطق المركز المجري.
في انتظار الحسم
حتى اليوم، لا يوجد إجماع علمي نهائي حول مصدر هذا التوهج، لكن الاتجاه السائد يميل إلى التفسير النجمي. ويعوّل العلماء على الجيل القادم من التلسكوبات الأرضية، مثل مرصد تشيرينكوف تيليسكوب أراي، لتقديم قياسات أكثر دقة يمكنها حسم الجدل المستمر منذ عام 2009.
يقول البروفيسور دان هوبر من جامعة شيكاغو، أحد أبرز المختصين في فيزياء المادة المظلمة:”مهما كان المصدر، فإن هذا التوهج يفتح نافذة على فيزياء لم نفهمها بعد — سواء داخل النجوم أو في المادة التي تشكّل الكون”.
الكويت بوست ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة الكويتية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.
