'بنك-الوقت'-بلا-نقود

'بنك الوقت' بلا نقود

رصيدك المستقبلي

في ظل تصاعد التحديات المرتبطة بالشيخوخة عالمياً، ونقص كوادر الرعاية، تسلّط العديد من الدول الضوء مجدداً على نماذج بديلة ومستدامة لتعزيز التكافل المجتمعي.

وتبرز في هذا السياق مبادرة “بنك الوقت” التي أطلقتها سويسرا منذ سنوات ونجحت في خلق منظومة تعتمد على تبادل الخدمات بدلاً من المال. في وقت تتجه فيه مجتمعات كثيرة إلى تقليص الإنفاق العام على الرعاية الاجتماعية، يُعاد فتح النقاش حول جدوى تعميم هذه التجربة الفريدة، خصوصاً بعد بلوغها نتائج ملفتة على المستويين الإنساني والاقتصادي.

نبذة تاريخية عن الفكرة:

تعود الجذور الأولى لفكرة “بنك الوقت” إلى اليابان في خمسينيات القرن الماضي، حين ظهرت أشكال أولية من تبادل الخدمات والرعاية بين الأفراد، لكنها لم تأخذ طابعًا منظمًا إلا في السبعينيات، قبل أن تنتقل إلى الغرب بأطر مؤسساتية أوسع.

وفي الولايات المتحدة، تبناها أستاذ القانون الأميركي إدغار كاهن في الثمانينيات، كمبادرة لبناء مجتمعات أكثر تضامنًا عبر تبادل الوقت والخدمة بدلًا من المال. ومنذ ذلك الحين، انتشرت هذه النماذج تدريجيًا حول العالم بأسماء وصيغ متنوعة.

انطلاقة التجربة السويسرية:

في عام 2012، أطلقت مدينة سانت غالن السويسرية نموذجًا عمليًا باسم Zeitvorsorge (أي “الادخار الزمني”)، يقوم على مبدأ بسيط: “تقدّم ساعات من وقتك لمساعدة كبار السن اليوم، وتستعيدها لاحقًا عندما تحتاج أنت إلى المساعدة”.

وقد لقي البرنامج دعمًا من الحكومة المحلية، وتوسّع لاحقًا إلى بلديات أخرى مثل رابيرسفيل-جونا التي بدأت تطبيقه في عام 2021، ثم أصبح يحظى بمتابعة رسمية من مكتب التأمينات الاجتماعية الفيدرالي (FSIO) كنموذج للرعاية البديلة المستقبلية.

كيف يعمل “بنك الوقت” عمليًا؟

يتطوع المواطنون، غالبًا ممن تجاوزوا سن الخمسين، لتقديم خدمات غير طبية لكبار السن مثل: المرافقة إلى المواعيد، التسوق، المساعدة في الأعمال المنزلية، تقديم الصحبة أو الدعم المعنوي.

وكل ساعة يُقدّمها المتطوع تُسجّل في حسابه الشخصي ضمن نظام إلكتروني تديره بلدية المدينة.

في المستقبل، يمكن للمتطوع “سحب” هذا الوقت، أي طلب خدمات مماثلة عندما يحتاج إليها.

في حال لم يستخدم الساعات، يمكن تحويلها لأفراد عائلته أو تحويلها إلى دعم نقدي عند الانتقال إلى دار رعاية.

أحدث المعلومات (حتى منتصف 2025):

في مدينة سانت غالن وحدها، تجاوزت ساعات التطوع المسجّلة أكثر من 80,000 ساعة، بحسب تقديرات بلدية سانت غالن المنشورة ضمن تقارير رسمية محلية.

بعض المتطوعين سجّلوا ما يصل إلى 750 ساعة فردية من الخدمات، وِفق بيانات مشروع Zeitvorsorge.

ووفقاً لتقارير بلدية رابيرسفيل-جونا، فإن عدد الأعضاء النشطين في بعض البلديات نحو 320 شخصاً يشاركون بانتظام في تقديم الخدمات.

أما الكلفة السنوية لتشغيل البرنامج بما يشمل الإدارة والتدريب والتقنيات فتقدر – بحسب تصريحات مدير المشروع “يورغ وايبل” – بنحو 150 ألف فرنك سويسري.

الأثر المجتمعي والاقتصادي:

أسهم البرنامج في تأخير دخول العديد من كبار السن إلى دور الرعاية، ما خفف من الأعباء المالية على الدولة.

وتشير التقديرات إلى أن تجنّب دخول عدد بسيط من كبار السن إلى دور المسنين يكفي لتعويض الكلفة التشغيلية السنوية للبرنامج بالكامل، اذ أشار وايبل إلى الأثر المضاعف على ميزانية الرعاية في الأمد الطويل.

كما عززت المبادرة روح التعاون بين الأجيال، وخلقت شعورًا بالانتماء والإنتاجية لدى المتقاعدين.

مدى الانتشار عالميًا:

تُطبّق مفاهيم مشابهة لبنك الوقت في ما لا يقل عن 34 دولة حول العالم، وذلك استنادًا إلى مسح أعدّه معهد السياسات الاجتماعية التطبيقية APPI عام 2022.

من بين الدول التي اعتمدت برامج مماثلة: اليابان، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، إسبانيا، الصين، نيوزيلندا، سنغافورة.

في بكين، على سبيل المثال، تسمح السلطات بتحويل ساعات الرعاية المكتسبة إلى أفراد الأسرة من الدرجة الأولى.

ومع أن معظم النماذج تُدار محلياً أو مجتمعياً، إلا أن النموذج السويسري يُعد من القلائل المرتبطين رسمياً بأنظمة الضمان الاجتماعي الوطنية.

فرصة ذهبية

يثبت “بنك الوقت” في سويسرا أن الرعاية الاجتماعية لا تحتاج دائماً إلى تمويل ضخم، بقدر ما تحتاج إلى تنظيم ذكي وإرادة مجتمعية.

فالزمن، عندما يتحول إلى “عملة تضامن”، يخلق شبكة دعم مرنة ومستدامة بين الأفراد، ويقلص من الضغط على ميزانيات الحكومات.

ومع تفاقم تحديات الشيخوخة عالميًا، وندرة الكوادر البشرية في قطاع الرعاية، قد يشكّل هذا النموذج فرصة ذهبية تستحق أن تُدرس وتُعمم.

الكويت بوست ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة الكويتية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.

اخبار تهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *