'العين' حافظة ماضي الإمارات… تستقبل فنون العالم ولا تودِّع هويتها
“دار الزين” لا تُغريك بالصخب بل تُقنعك بالهدوء… إنها قلب أبوظبي النابض ثقافةً
في هذه الأرض تعلّم الإنسان أن يصادق الماء والشمس… والوقت
200 معلم أثري تكسر صمت الزمن… وكأن الأرض تتكلمڑ
لا صوت يعلو على خرير الماء في الفلج… إنك في “واحة العين”
في “واحات الجيمي والقطّارة”، يتحوَّل الليل معرضَ ضوءٍ مفتوحاً
أبوظبي- سوزان ناصر
لم تبدأ الرحلة من مطار أبوظبي بوصفها انتقالاً عابراً بين مدينتين، بل كانت خطوة أولى نحو مساحة مختلفة من الهدوء والدهشة… الطريق إلى العين “دار الزين ” كان مفتوحاً على اتساع الصحراء، ومع كل كيلومتر كانت المدينة تقترب بهدوء، كأنها لا تحب الوصول السريع، بل تُفضّل أن تأتيك على مهل.
المشهد الأول كان في واحة العين. هنا، لا يعلو صوت على خرير الماء في الفلج، ولا يسبق الظلُ النخلة… الحديقة، المتحف، قصر الشيخ زايد، الساحة، السوق، والمركز البيئي… كلها تتجاور كأنها صفحة واحدة من كتاب مفتوح، تحكي كيف تعلّم الإنسان في هذه الأرض أن يصادق الماء والشمس والوقت.
في متحف العين حيث لا تروى الحكايات فحسب … بل تُعاش . هنا يتغيّر الإيقاع ، وتتكلم الأرض من تحت الأقدام، وأكثر من 200 معلم أثري يستحضرون الزمن من صمته. بين القاعات، تعبر العصور بلا ضجيج، ومن حارة الحصن إلى اللقى المدفونة في عمق المكان، تتضِّح ملامح مدينة لم تُبنَ في يوم، بل تشكّلت طبقة فوق طبقة، وحكاية تلو حكاية.
ثم كانت القطّارة؛ المحطة التي غيّرت الضوء نفسه، فبدأ المشهد بنباتات إماراتية أصيلة، كتحية أولى للطبيعة، ثم انفتحت المساحة على الفن عبر مبادرة “منار أبوظبي” التي حطّت في العين للمرة الأولى… في واحات الجيمي والقطّارة، تحوّل الليل إلى معرض مفتوح: ستة أعمال ضوئية تمشي مع النخل، وتلامس الماء؛ فتعيد رسم المكان من دون أن تنتزع روحه.في عطلة الافتتاح، ومع مهرجان الحرف التقليدية، امتلأت الواحات بالزوار، وتحوّلت المسارات إلى دروب من ضوء وصوت ودهشة: الفنّانون، الناس، الأطفال، الكاميرات، والظلال… جميعهم كانوا جزءاً من مشهدٍ واحد، كأن المدينة خرجت من يومها العادي لتحتفل بذاتها.
هكذا انتهت الرحلة في العين، من غير أن تنتهي قصتها. مدينة تعرف كيف تحفظ الماضي… تحفظه ولا تحبسه، وكيف تستقبل الفن، من دون أن تودِّع هويتها. مدينة لا تُغريك بالصخب، بل تُقنعك بالهدوء… وتترك في ذاكرتك أثراً يشبه الضوء حين يمرّ على الماء.
عبدالله يوسف محمد
9.4 مليون زائر استقبلتهم أبوظبي حتى أكتوبر 2025
أكد مدير العمليات الدولية بدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي عبدالله يوسف محمد، أن الإمارة “تواصل ترسيخ موقعها كوجهة سياحية عالمية متكاملة، تجمع بين الضيافة العربية الأصيلة والتجارب الراقية”، مشيراً إلى أن “العين تمثل القلب الثقافي النابض في الستراتيجية السياحية الشاملة، بما تضمُّه من مواقع مدرجة على قائمة (يونسكو)، وواحات طبيعية وتجارب إنسانية مميّزة”.
وأوضح محمد أن “خطط النمو السياحي ترتكز على تنويع التجارب، وتوسيع الشراكات الإقليمية والدولية، وتعزيز سهولة الوصول إلى الإمارة”، لافتاً إلى أن “أسواق دول الخليج، خصوصاً السعودية والكويت، تواصل تسجيل نمو قوي مدفوعاً بارتفاع رحلات العائلات والإجازات القصيرة”.
وكشف أن “أبوظبي استقبلت حتى أكتوبر 2025 أكثر من 9.4 مليون نزيل فندقي، بنمو 8% في أعداد الزوار الدوليين، مع ارتفاع ملحوظ في إنفاق الزوار”، مؤكداً أن “الزوار المتكررين من دول الخليج يشكّلون ركيزة أساسية في ستراتيجية النمو السياحي”.
وخلص محمد إلى أن “المنطقة الثقافية في السعديات تسهم بقوة في ترسيخ مكانة أبوظبي كعاصمة ثقافية عالمية عبر معالمها الأيقونية، وفي مقدمتها اللوفر أبوظبي ومتحف زايد الوطني ومتحف التاريخ الطبيعي، إلى جانب التوسّع اللافت في قطاع الضيافة الفاخرة والمشاريع السياحية الجديدة ضمن ستراتيجية أبوظبي للسياحة 2030”.
السدو يضيء ليل القطّارة
في مسار واحة القطّارة، يمدّ الفنان والمصمم الإماراتي خالد الشعفار سجّادته من الضوء، عبر عمله “سجادة السدو الحمراء”، ضمن فعاليات “منار أبوظبي”. نقوشٌ قديمة تولد من جديد بلغة معاصرة، تمتد بين الطوب والوهج، وتمنح الذاكرة شكلاً يُرى ويُلمس ويسير معه الزائر خطوة خطوة، حيث يتحوّل السدو من حرفة إلى حكاية مضيئة في قلب العين.
حين تتنفس الشجرة ضوءاً
في مسار واحة الجيمي، تنسج الفنانة الإماراتية ميثاء حمدان علاقة حميمية بين الإنسان والطبيعة، عبر عملها “نَفَس المكان/ نفس المكان” ضمن فعاليات “منار أبوظبي”… في قلب المشهد، تقف شجرة الجِرت بظلّها الممتد، تتدلّى من أغصانها حبال ضوء تتحرّك مع مرور الزوار، فيتبدّل الوهج كأن الشجرة تتنفّس مع خطوات العابرين.
بين الضوء والهواء والأغصان، تذوب الحدود، وتتمايل الأشرطة مع نسيم المساء، لتصنع همساً خافتاً يرافق التجربة… هنا لا يكون الزائر مجرد مشاهد، بل جزءاً من الإيقاع، يسير ببطء داخل فضاء يدعوه إلى الإصغاء للمكان، وتأمّل لحظة نادرة يتوحّد فيها الجسد مع الضوء والطبيعة.
هل أصغيت إلى ما تقوله الزهرة؟!
الفنان السمعي والبصري كريستيان برينكمان، الذي قدم عمله التفاعلي “في متنفس الزهور” ضمن فعاليات “منار أبوظبي”، حيث تتحوّل النبتة من كائن صامت إلى شريك حيّ في التجربة الفنية… نبتة حقيقية مزوّدة بمستشعرات تستجيب للمس، وتتفاعل مع القرب؛ فتترجم كل إشارة إلى ضوء وصوت وصورة في الزمن الحقيقي، وكأن الطبيعة تدخل في حوار مباشر مع الزائر.
تتنفَس الأوراق، وتتحرّك الإضاءة مع كل اقتراب، وتنبثق العناصر البصرية من مسح ثلاثي الأبعاد يحفظ أدق تفاصيل النبات. هنا لا يكون التفاعل مجرّد مشاهدة، بل مشاركة حسّية رقيقة تدعو إلى الاقتراب برفق، والإصغاء لما تقوله الزهرة حين تتكلّم بلغة الضوء والصوت.
نبضات من نور
تمدّ يدك نحو الضوء، فيستيقظ المكان على إيقاع قلبك.
هنا، لا يُقاس الزمن بالدقائق، بل بالنبض، ولا يُرى الضوء للزينة، بل ليفضح حركة الحياة في داخلك. مع كل نبضة، يولد وميض جديد لا يشبه سابقه، كأن السقف يتنفس مع الزوار، يحفظ آثارهم ضوءاً عابراً، ثم يتركه يخبو برفق.
تيار الترجمة
تدخل الفناء، فتسبقك الحروف. تمشي فوق تيار من ضوء، تحملك الكلمات قبل أن تقرأها، وتعيدك إليك في لغة أخرى. العربية تعانق الإنكليزية، والمعنى يدور في فضاء من نور لا يستقر. هنا، لا تُقرأ القصائد، بل تُعاش، وتترك في القلب رجع صدى كالماء حين يلامس الحجر.
الكويت بوست ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة الكويتية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.







