محمد منيع أبو زيد.. يكتب: “العناد وسوء الظن وشيطان العلاقات”
في العلاقات الإنسانية، خاصة تلك التي تقوم على الحب والمودة كالزواج، والأخوة، والقرابة، قد يتسلل خلل بسيط يكبر مع الوقت، ويتحول إلى شقاق لا يُرى بالعين، بل يُحس في القلب. ومن أخطر ما يفسد هذه العلاقات: تحكيم الرأي، والعناد، وسوء الظن.
في هذا المقال، لن نكتفي برصد المشكلة، بل نغوص في جذورها النفسية والاجتماعية، ونقدّم حلولًا واقعية وشرعية تساعد على ترميم ما تهدم، دون إغفال للبعد الأخلاقي والروحي، لأن العلاقات لا تُبنى فقط على الحب، بل على الحكمة والصبر والنية الصافية.
حين يتحول الرأي إلى سُلطة
“أنا رأيي كذا، ومش راح أغيره.”
“لو ما صار اللي قلت عليه، ما لي دخل.”
“أنا عارف الصح، ومو مستعد أتنازل.”
هذه العبارات، رغم أنها تبدو كبادرة ثقة بالنفس، إلا أنها في كثير من الأحيان انعكاس للأنانية والغرور وضعف مهارات الإصغاء.
حين تُفرض الآراء دون نقاش، يتحول الحوار إلى صراع، وتتحول العلاقة إلى ميدان تحدي، ويضيع جوهر العلاقة في معركة لا فائز فيها.
الشيطان لا يطرق الباب
الشيطان لا يبدأ بالكبائر، بل بكلمة زائدة، أو نظرة محمّلة بسوء نية، أو تفسير خاطئ لنبرة صوت. يبدأ حين يتسلل الكبرياء إلى القلوب، وحين يرفض كل طرف أن يتنازل أو يتفهم. وهنا، يصبح الشيطان “شريكًا” خفيًا في العلاقة.
– يوهم الطرفين أن التنازل ضعف.
– يزرع الشك مكان الثقة.
– يجعل من كل سكوت علامة تجاهل، ومن كل اختلاف سببًا للعداوة.
وحين يُطاع، يُفسد القريب قبل البعيد، ويقلب الحب إلى جفاء، والمودة إلى خصام.
سوء الظن… فيروس العلاقات
من أخطر ما يقتل العلاقات: سوء الظن.
القرآن الكريم حذّرنا منه بوضوح، فقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾
[الحجرات: 12]
سوء الظن لا يحتاج إلى دليل، بل إلى وهم فقط. يزرع التوتر في النفوس، ويجعل كل تصرف بسيط يبدو كأنه خيانة أو تحقير أو تجاهل، في حين أن النية قد تكون بريئة تمامًا.
آثار هذا السلوك في الواقع
في الزواج:
• المرأة تُكسر داخليًا حين يُسلب منها حق التعبير.
• الرجل يُستفز حين يُعامل دائمًا على أنه الطرف المخطئ.
• الأبناء يتشربون أجواء التوتر ويعيشون في بيئة مشحونة.
في الأخوة:
• تتحول العلاقة من حب إلى منافسة، ومن ذكريات إلى مسافات.
• كل لقاء عائلي يصبح لحظة توتر لا مودة.
في القرابة:
• تكثر القطيعة.
• تُفسّر الكلمات بتأويلات مريضة.
• تضيع البركة، وتبرد العلاقة.
الأسباب النفسية لتحكيم الرأي والعناد
• نرجسية غير معلنة: يرى نفسه الأعلم والأذكى دائمًا.
• ضعف داخلي: يعوّضه بمحاولة فرض السيطرة.
• نشأة في بيئة سلطوية: اعتاد ألا يُناقش، بل يُسلّم له الأمر.
• خوف من الانكسار: يظن أن التنازل إهانة، لا حكمة.
حلول عملية للحفاظ على العلاقات
1. صحّح النية قبل أي نقاش: هل تريد الحل أم الانتصار؟
2. استمع بإصغاء لا بمجرد السمع: افهم المعنى خلف الكلام.
3. احترم اختلاف الطرف الآخر: لا أحد نسخة منك.
4. اعترف بخطئك إن لزم الأمر: الاعتراف لا ينقص من قدرك بل يرفعك.
5. استعذ بالله لحظة الغضب: الشيطان أقرب ما يكون حين تغيب الحكمة.
6. استبدل عبارة “أنا الصح” بـ “خلينا نتفق”: ما أجمل الحلول الوسط!
إلى الإخوة والأخوات
الأخوة ليست فقط شراكة في الدم، بل أخلاق وقيم وتعامل.
ومنذ القدم، كان يُنظر للكبير بعين التقدير، ويُنتظر من الصغير السؤال، والاحترام، ومراعاة السن والمقام.
الصغير يبدأ بالسؤال والاحترام، والكبير يرد بالحنان والتفهم.
فلا خير في أخٍ يُقلّل من قيمة رأي أخيه الأكبر، ولا في كبيرٍ يستصغر أخاه الأصغر ويهمله.
“هيبة الكبير تبدأ من أدب الصغير، وودّ الصغير يُروى من حنان الكبير.”
إلى الأقارب
القرابة ليست تواقيع في بطاقات الدعوة، بل هي تواصل مستمر بنية طيبة.
وحتى تستمر هذه العلاقة، لا بد من:
– التغافل عن سفائف الأمور.
– الابتعاد عن تفسير كل كلمة أو نظرة أو موقف بسوء نية.
– المبادرة بالسؤال حتى لو لم يبادلك الآخر فورًا.
فمن لا يُحسن الظن بأقاربه، ويبحث عن نواياهم في كل كلمة، فقد يضيع من يده علاقات لا تُعوّض.
وإن لم تجد راحة في القرب، فاهجر بهجرٍ جميل كما أمر الله تعالى:
﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزمل: 10]
هجر بلا قسوة، بلا فضيحة، بلا نكاية.
هجر يترك الباب مواربًا، لعل القلوب تلتقي يومًا على ضوء الحكمة.
خلاصة هذه الرحلة
• من يُصر على رأيه دائمًا، يطرد من قلبه كل من حوله.
• من يرى التنازل ضعفًا، فاته أعظم أسرار المحبة.
• ومن لا يُجيد احترام العلاقات… سيعيش عمره في وحدة رغم الزحام.
دعاء من القلب
اللهم اجعلنا من الهادين المهتدين، لا من المتعنتين المعاندين.
اللهم ارزقنا الحكمة حين نغضب، والرحمة حين نختلف، والصبر حين نحاور.
اللهم باعد بيننا وبين الشيطان، كما باعدت بين المشرق والمغرب.
واجعل بيوتنا، وعلاقاتنا، وقلوبنا، عامرة بالمودة والسكينة يا أرحم الراحمين.
الكويت بوست ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة الكويتية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.