تملك الأجانب للعقار الخليجي… جذب للاستثمارات أم تهديد للهوية؟
خبراء لـ”السياسة”: الإصلاحات التشريعية الكويتية الحديثة خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية
مروة البحراوي
“عقار” صفحة أسبوعية تنشرها جريدة “السياسة”، متخصصة في القطاع العقاري، ترصد آخر التطورات وأبرز الأحداث الفنية والقانونية والاقتصادية لفئات القطاع المختلفة “الخاص” و”الاستثماري” و”التجاري” و”الحرفي” و”المعارض”، فضلاً عن نقل آراء المختصين بهذا الشأن لأهميته باعتباره ثاني أكبر قطاعات البلاد الاقتصادية.
في الوقت الذي أعلنت فيه دولة قطر عن خطوة جديدة تتيح للمستثمر الأجنبي الحصول على إقامة دائمة وصك ملكية مقابل استثمار عقاري لا يقل عن 200 ألف دولار، يتجدد النقاش في الكويت حول مستقبل التشريعات العقارية ومدى جاهزيتها لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، في ظل ما تشهده المنطقة الخليجية من تحولات اقتصادية وتشريعية واسعة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز البيئة الاستثمارية.
وفيما سمحت الكثير من الدول الخليجية مثل الامارات والسعودية وقطر بتملك الأجانب للعقارات ضمن ضوابط محددة، أكد خبراء ومتخصصون التقتهم “السياسة” أن الكويت ما زالت تضع قيوداً قانونية صارمة على هذا النوع من الملكية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى قدرة البيئة التشريعية الحالية على مواكبة المنافسة الإقليمية، دون المساس بحقوق المواطنين أو رفع أسعار الأراضي.
ورغم أن الإصلاحات التشريعية التي تبنتها الكويت مؤخراً تمثل خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، إلا أنهم يرون انها لا تزال غير كافية لجذب تدفقات استثمارية كبيرة مقارنة بجيرانها، وأن الحل يكمن في تبني تجارب خليجية مشابهة مع الإبقاء على حصر التملك في المناطق الاستثمارية والتجارية حفاظاً على خصوصية المناطق السكنية للمواطنين ومنع المضاربات.
وشددوا على أن تحقيق التوازن بين جذب المستثمر الأجنبي وحماية مصالح المواطن يتطلب وجود هيئة عقارية فاعلة تضبط السوق وتضع آليات عادلة تضمن حقوق جميع الأطراف، مشيراً إلى أن هذه الهيئة ستكون “الميزان الحقيقي” لتنظيم العلاقة بين الاستثمار والتنمية السكنية في الكويت.
“ميزان حقيقي” لتنظيم العلاقة بين الاستثمار والسوق
الدوسري: مطلوب هيئة عقارية فاعلة تضع آليات عادلة للتملك
أكد الخبير العقاري بداح الدوسري أن فتح الباب أمام تملك الأجانب للعقارات في الكويت يمثل فكرة اقتصادية صحيحة تصب في مصلحة البلاد، موضحاً أنه لا يوجد ما يمنع من منح الإقامة والاستفادة من تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية داخل السوق المحلي.
وأكد أن تحقيق التوازن بين جذب المستثمر الأجنبي وحماية مصالح المواطن يتطلب وجود هيئة عقارية فاعلة تضبط السوق وتضع آليات عادلة تضمن حقوق جميع الأطراف، مشيراً إلى أن هذه الهيئة ستكون “الميزان الحقيقي” لتنظيم العلاقة بين الاستثمار والتنمية السكنية في الكويت.
وأضاف أن منح إقامة لمدة عشر سنوات للأجنبي الذي يشتري عقاراً أو وحدة سكنية سيكون حافزاً قوياً لجذب المستثمرين، لاسيما أن هذا التوجه أثبت نجاحه في دول خليجية عدة مثل السعودية وقطر اللتين بدأتا تطبيق سياسات التملك للأجانب وحققتا منها نتائج إيجابية واضحة.
وأشار إلى أن الكويت بحاجة إلى مراجعة شاملة لقوانينها العقارية وتعديل التشريعات الحالية بما يسمح بتملك الأجانب ضمن ضوابط محددة، مع ضرورة الاستفادة من التجارب الخليجية السابقة، ولا سيما التجربة الإماراتية، عبر تحليل إيجابياتها وسلبياتها وتبني ما يتناسب مع خصوصية السوق المحلي.
وأوضح الدوسري أن المشكلة الأساسية في الكويت تكمن في تعقيد القوانين العقارية التي تعيق جذب المستثمر الأجنبي، رغم وجود شريحة كبيرة من الوافدين ورجال الأعمال المستعدين لشراء العقارات داخل البلاد، مبيناً أن هؤلاء يشكلون بالفعل العصب الاقتصادي في العديد من القطاعات الحيوية بالكويت.
وشدد على أنه قبل أي خطوة تشريعية جديدة، يجب إنشاء هيئة عقارية مركزية تُعنى بوضع وتنفيذ السياسات العقارية في البلاد، وتكون مسؤولة عن صياغة القوانين ومتابعة تنفيذها، مع تبادل الخبرات والزيارات مع الأشقاء في دول مجلس التعاون للاستفادة من تجاربهم الناجحة وتجنب مواطن القصور فيها.
وأضاف أن فتح باب التملك للأجانب من شأنه أن يُسهم في تنشيط السوق العقاري المحلي وزيادة حجم التداولات، لكنه في الوقت ذاته قد يثير مخاوف من ارتفاع الأسعار وتأثير ذلك على المواطنين ذوي الدخل المحدود.
قطر الأسرع تشريعياً… والسعودية الأكثر تنظيماً
بهبهاني: الكويت بحاجة إلى تحديث قانوني لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية
أكد المطور العقاري خالد بهبهاني أن الفروق التشريعية بين دول الخليج في مجال تملّك الأجانب للعقارات باتت أكثر وضوحاً خلال السنوات الأخيرة، حيث برزت قطر كصاحبة المسار الأكثر سرعة وشفافية، إذ تتيح للأجانب التملّك الحر في مناطق محددة مع الحصول على الإقامة والصكوك الرسمية خلال أيام معدودة، بدءاً من استثمار لا يقل عن 200 ألف دولار.
وأضاف أن السعودية بدورها خطت خطوات متقدمة بإقرار قانون تملّك الأجانب عام 2025، الذي سمح بالتملك داخل مناطق مخصصة وفق تنظيم دقيق، مع استثناء مكة المكرمة والمدينة المنورة من الملكية المباشرة.
وأوضح أن الإصلاحات التشريعية التي تبنتها الكويت مؤخراً تمثل خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تزال غير كافية لجذب تدفقات استثمارية كبيرة مقارنة بجيرانها، اذ أن استمرار تعليق التملك الفردي للأجانب على موافقات وشروط متداخلة يقلل من جاذبية السوق العقاري الكويتي ويؤثر على مستوى اليقين الزمني والاستثماري.
وقال: من الأفضل للاقتصاد الكويتي السماح بتملك الأجنبي لمساحات محدودة ضمن حصص أو “كوتا” منظمة ـ كأن يُسمح بتملك وحدة سكنية بمساحة تتراوح ما بين 120 إلى 200 متر مربع ـ مع إقامة تمتد لـ15 عاماً مرتبطة بالملكية، أسوة بالتجارب الخليجية الناجحة.
وأضاف أن مثل هذا التوجه من شأنه أن يجذب طبقة مقيمة منتجة تنفق داخل السوق المحلي وتنعش القطاعات الخدمية والاستهلاكية، من دون أن يؤدي إلى ارتفاع مفرط في الأسعار، خصوصاً إذا اقترن بسياسات تحظر المضاربة وتضمن أولوية السكن للمواطنين.
ودعا بهبهاني إلى تخصيص مناطق واضحة لتملك الأجانب وربط التملك بإقامة محددة الشروط على غرار النموذج القطري، مع ضرورة تفعيل أدوات رقابية مضادة للمضاربات كتلك التي تطبقها الإمارات والسعودية للحد من ضغوط الأسعار، إضافة إلى إنشاء سجل عقاري رقمي موحد يختصر الإجراءات ويوفر إنجاز المعاملات خلال أيام معدودة.
واقترح بهبهاني لتحقيق التوازن بين جذب الاستثمار وحماية المواطنين، تحديد حصص ومساحات قصوى لتملك الأجانب، وفرض فترات حيازة دنيا قبل إعادة البيع، إلى جانب رسوم على عمليات البيع السريعة، مع تخصيص جزء من عوائد تملك الأجانب لدعم صناديق الإسكان للمواطنين، وفتح أوسع أمام التملك في العقارات الاستثمارية والتجارية دون السكن الخاص.
تسهم في تنشيط الدورة الاقتصادية
الحسينان: السماح بالتملك خطوة ستراتيجية لتحريك المياه الراكدة
أكد الباحث في الشأن العقاري عبدالرحمن الحسينان أن فتح باب تملك الأجانب للعقارات في الكويت يمثل توجهاً اقتصادياً سليماً يهدف إلى جذب الاستثمارات الخارجية وتنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد. وأوضح أن هذه الخطوة، التي بدأت الكويت السير فيها أخيراً، كفيلة بـ”تحريك المياه الراكدة” في قطاعات اقتصادية متعددة، على غرار ما حدث في عدد من دول الخليج.
وأضاف الحسينان أن تملك الأجانب للعقار لا يقتصر على الجانب الاستثماري فقط، بل يمتد تأثيره إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية كافة، من خلال زيادة معدلات الاستهلاك، ودعم قطاعات التعليم والخدمات، لافتاً إلى أن تمكين الوافد من تملك العقار سيُسهم في تعزيز موقع الكويت بين الدول المتقدمة في هذا المجال، مع ضرورة حصر التملك في المناطق الاستثمارية والتجارية حفاظاً على خصوصية المناطق السكنية للمواطنين ومنع المضاربات، أسوة بما هو معمول به في الدول المجاورة.
وقال إن تجربة الإمارات تعد من أبرز النماذج الخليجية الناجحة في هذا السياق، إذ فتحت المجال لتملك الأجانب منذ 2008، ما انعكس بشكل مباشر على انتعاش الاقتصاد في دبي والشارقة وعجمان ورأس الخيمة، موضحا أن الإمارات وضعت ضوابط دقيقة لتملك الأجانب وربطت الامتيازات بالقيمة الاستثمارية للعقار، ما أسهم في خلق بيئة عقارية جاذبة ومستدامة.
وأشار الحسينان إلى أن السعودية تبنت التوجه ذاته ضمن رؤية 2030، مضيفا أنها لم تكتف بتطبيق التجربة، بل طورتها وأضافت إليها تسهيلات لتشجيع التملك والاستثمار العقاري، كما اتبعت قطرالنهج نفسه قبيل استضافة كأس العالم، الأمر الذي أسهم في تنشيط القطاع العقاري وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
ونوه الحسينان كذلك بتجارب خليجية أخرى في البحرين وعُمان، مشيراً إلى أن البحرين نجحت في استثمار موقعها الجغرافي ومعالمها السياحية على ضفاف الخليج ومضيق هرمز لتصبح مركز جذب للأجانب الراغبين في الاستقرار ضمن بيئة منفتحة، وأوضح أن العديد من المقيمين الذين كانوا في السعودية انتقلوا إلى البحرين خلال فترات سابقة وتملكوا فيها عقارات ساهمت في انتعاش الاقتصاد البحريني.
تحديات التملك الأجنبي للعقارات
1ـ غياب هيئة عقارية مستقلة تنظم السوق وتضمن العدالة بين المواطن والمستثمر.
2ـ تعقيد القوانين الحالية وتعدد الجهات المنظمة مما يبطئ إجراءات الاستثمار.
3ـ مخاوف من ارتفاع الأسعار وتأثيرها على قدرة المواطن على التملك.
4ـ نقص الشفافية والرقابة مما قد يفتح الباب أمام المضاربات والاحتكار.
5ـ تعقيدات قانونية تتعلق بالميراث ونقل الملكية للأجانب بعد الوفاة.
الكويت اختارت النموذج المؤسسي المقنّن
الحشاش: الانفتاح العقاري يحمل أبعاداً سيادية واجتماعية واقتصادية
أكدت المستشارة القانونية العقارية إيمان الحشاش أن قضية تملك الأجانب للعقارات لم تعد مجرد شأن قانوني، بل تحولت إلى قضية ستراتيجية تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع الأبعاد الاجتماعية والسيادية، مشيرة إلى أن دول الخليج رسمت لكل منها مسارًا خاصًا يعكس هويتها الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضحت أن قطر تبنّت نموذج الانفتاح السريع الذي يتيح للمستثمر الأجنبي تملك العقار في مناطق محددة بقيمة لا تقل عن 200 ألف دولار.
أما السعودية، فأقرت قانون ملكية العقارات لغير السعوديين، الذي يمنح الأفراد والشركات الأجنبية حق التملك في مناطق تحدد بمرسوم، مع استثناء مكة والمدينة، في خطوة أكثر تحفظًا من التجربة القطرية لكنها أكثر انفتاحًا من الكويت.
وأضافت لقد اتبعت الكويت نهجًا متوازنا منذ المرسوم قانون رقم 74 لسنة 1979 الذي قصر التملك على المواطنين، ثم القانون 1 لسنة 2000 الذي منح الخليجيين حق التملك، وتعديل 2004 الذي أسقط شرط المعاملة بالمثل، وصولًا إلى المرسومين بقانون 7 و195 لسنة 2025 اللذين سمحا للشركات المدرجة والصناديق العقارية بالتملك وفق ضوابط مشددة.
واكدت ان الكويت اختارت الانفتاح المؤسسي المقنّن، ففتحت المجال أمام الاستثمار عبر الشركات والصناديق المرخصة، لكنها أبقت السكن الخاص محميًا بالكامل، في توازن بين جذب رؤوس الأموال الأجنبية وحماية المواطن من موجات ارتفاع الأسعار، وإن كانت الإجراءات المعقدة ومحدودية نطاق الانفتاح تجعل الكويت أقل جاذبية مقارنة بالنموذج القطري الأكثر مرونة.
وقالت إن قطر قدمت مثالًا على وضوح الشروط وسرعة الإجراءات، ما يعزز الجاذبية الاستثمارية، لكنها تحتاج إلى رقابة تحد من التضخم السعري، أما السعودية، فنجحت في تحقيق توازن بربط التملك بخطط التنمية والمناطق الاستثمارية، في حين اختارت الكويت نموذج الحذر التشريعي، فحافظت على شفافية السوق ومنعت المضاربات الفردية عبر قنوات التملك المؤسسية.
وأضافت أن الانفتاح العقاري يحمل أبعادًا سيادية واجتماعية تتطلب تنظيمًا دقيقًا، لأن ملكية الأرض جزء من السيادة الوطنية، وأي توسع في منح الأجنبي حق التملك يجب أن يُضبط بنصوص واضحة تحمي المصلحة العامة وتمنع الاحتكار.
مميزات فتح باب التملك
1ـ جذب رؤوس أموال جديدة وتنشيط السوق العقاري والاستثماري.
2ـ تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط.
3ـ تحفيز التطوير العمراني ورفع جودة المشروعات العقارية.
4ـ خلق فرص عمل غير مباشرة في قطاعات المقاولات والخدمات والتشغيل.
5ـ تعزيز صورة الكويت الاستثمارية ومواكبة التجارب الإقليمية في السعودية وقطر.
الكويت بوست ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة الكويتية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.




