هل تستفيد الكويت من موقعها وتفتح أبوابها للصناعات الثقيلة؟

خبراء أكدوا لـ”السياسة” أهميتها كرافد رئيسي لتنويع المصادر رغم قلة الأراضي وندرة الأيدي العاملة المؤهلة

ناجح بلال

ما زالت آراء الشارع الاقتصادي تتوالى لتنفيذ توجيهات القيادة السياسية الجادة نحو تنويع مصادر الدخل على أرض الواقع، والتفكير بطرق علمية حديثة في ايجاد حلول جديدة ومبتكرة لسرعة تحقيق هذا الهدف.

وقد طالب عدد من الاقتصاديين بضرورة دخول الكويت عالم الصناعات الثقيلة كخطوة رئيسية لتنويع مصادر الدخل ومواجهة تقلبات أسعار النفط التي تتأثر سلباً نتيجة التوترات السياسية والمالية العالمية، كما أكدوا في الوقت ذاته على أهمية التوسع في الصناعات المتوسطة الأخرى قبل الدخول في الثقيلة.

وأكدوا خلال تحقيق خاص لـ”السياسة” أن أهم معوقات تحقيق هذا الهدف في الكويت هو عدم توافر الايدي العاملة وإشكالية توزيع الاراضي الصناعية وإغراق السوق المحلي بالمنتجات المستوردة.

واضاف هؤلاء الخبراء ان دخول عصر الصناعات الكبرى كالطائرات والسيارات والسفن سيرفد الاقتصاد المحلي برافد جديد للدخل، كما انه سيقلل من عجز الموازنة، وسيحل بعض مشاكل التوظيف التي تعاني منها البلاد، ويلعب دورا كبيرا في خفض أسعار هذه المنتجات، التفاصيل في التحقيق التالي:

تحديات كبيرة

بداية يؤكد الخبير الاقتصادي سلطان الجزاف أن هناك تحديات كبيرة في إقامة صناعات ثقيلة بالكويت حيث تتطلب الصناعات الثقيلة استثمارات كبيرة وطويلة المدى، فضلا عن أن البنية التحتية لدينا ما زالت غير مطورة وتنقصها خدمات النقل الحديثة والخدمات اللوجستية الكبيرة، وكذلك عدم توافر العمالة المدربة والكفاءات الفنية عالية المستوى وما تتمتع به من حرية التنقل داخل السوق.

وقال إن بيئة الأعمال ما زالت فقيرة ولا توجد حوافز مشجعة سواء للمستثمر المحلي أو الأجنبي، والأهم من ذلك لا توجد أراضي صناعية بمساحات كبيرة لتقام عليها مثل هذه الصناعات الثقيلة كالتي توجد في الدول المحيطة وهي المنافس الأكبر للكويت والتي خطت خطوات متسارعة في هذا القطاع.

وأضاف الجزاف: تنقصنا الرؤية او الهدف الطموح حتى نمتلك صناعات ثقيلة أو خفيفة او تحويلية، حينها يجب تضافر جميع الجهود والامكانات لتحقيق هذا الهدف او تلك الرؤية.

دعم الاقتصاد

وعلى صعيد متصل، يرى الخبير الاقتصادي أحمد الخشنام أن الصناعة لها أهميتها في دعم الاقتصاد بشكل عام حيث تنشط مع نشاطها كافة القطاعات الاخرى كالقطاع التجاري والصناعي والعديد من القطاعات الاخرى، لذا يعد القطاع الصناعي من أهم القطاعات في الدولة لما يدره من عوائد مالية لميزانية الدولة، حيث إن الصناعة عملية تحويل شكل المواد الخام الى منتجات جديدة بعدة طرق مختلفة.

واوضح ان دخول الكويت عصرالصناعة الثقيلة – في حال تنفيذها – سيقوي عضد الاقتصاد الوطني ويجعل الدولة تتفادى العجوزات المتتالية للميزانية لا سيما أن الكويت تمتلك النفط الذي يمكن تحويل خامه لاستخدامه في العديد من الصناعات.

وأكد الخشنام أن الكويت بحاجة لتنويع مصادر الدخل من خلال الاعتماد على الصناعة بالدرجة الاولى، مشيرا إلى العقبات الرئيسية التي تقف عائقا أمام الصناعات العملاقة في الكويت كصناعة السيارات والطائرات والقطارات يأتي في مقدمتها عدم توافر الايدي العاملة الماهرة ولكنه في الوقت ذاته رأى أن حل تلك الاشكالية ليس بالمعضلة، حيث يمكن للحكومة أن تسمح للقطاع الخاص الجاد في خوض غمار الصناعات العملاقة بجلب العمالة الماهرة من مختلف دول العالم، مقترحا أن يتم اختبار تلك العمالة عن طريق سفارات الكويت في الخارج.

وبين أن شركات القطاع الخاص تستطيع ان توفر بند رواتب الايدي العاملة من خلال الارباح التي ستحصل عليها من تلك الصناعات مستقبلا، لذا فالبنوك الكويتية يمكن أن تمول هذه الصناعات في بدايتها حتى تتمكن من تحقيق الربحية في وقت لاحق.

الصناعات الثقيلة

وذكر الخشنام أن الكويت بحاجة للصناعات الثقيلة حتى لا تعتمد بشكل رئيسي على النفط كمورد أساسي لا سيما أن النفط عرضة للتقلبات السياسية والمالية العالمية، مشددا على أهمية توفر الأراضي الصناعية مع ازالة كافة العوائق مثل البيروقراطية حيث تحتاج الكويت إلى كل الصناعات لتلبية الحاجات الأساسية للسوق المحلي، مشددا على ضرورة تعزيز الصناعات التقليدية القائمة في الكويت حاليا، مثل الصناعات الغذائية حيث ان التوسع فيها يسهم في خفض الاسعار المحلية، مشددا على أهمية التوسع وبقوة في صناعة الادوية لتخفيض اسعارها كما يمكن للكويت أن تصدر الصناعات الثقيلة والمتوسطة للدول المجاورة لا سيما أن الموقع الجغرافي الستراتيجي للكويت يسمح بنقل الصناعات لمختلف اقطار العالم، موضحا أن تنفيذ ميناء مبارك الكبير مستقبلا سيؤدي لطفرة هائلة للكويت في عالم النقل البحري.

ولفت الخشنام إلى أن التوسع في صناعة حديد التسليح في الكويت أصبح من الضروريات حيث تعتمد عليه صناعات اخرى عديدة مثل الاسكان وغيرها من الابنية والجسور، وقال ان الكويت تمتلك كل المقومات التي تسهم في نجاح الصناعات الثقيلة ومنها النفط والمصافي تكرير النفط.

وعن أبرز معوقات الصناعة في الكويت، قال الخشنام اهمها ندرة الاراضي الصناعية، وعدم التنسيق الدقيق بين الادارات الحكومية المعنية بالقطاع الصناعي مما أدى لهجرة رؤوس الاموال الكويتية لانشاء مصانع خارج البلاد.

الأيدي الماهرة

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي محمد رمضان إنه يصعب إنشاء صناعات ثقيلة في الكويت أسوة بالدول المتقدمة لعدة أسباب منها أن البيئة في الكويت غير مهيئة لذلك فضلا عن تكلفة الايدي العاملة العالية التي لن تشجع على تنفيذ أي صناعات كبرى، مشيرا إلى أن الكويت يمكن أن تتوسع في مجالات اقتصادية أخرى منها التجارة الدولية وغيرها من القطاعات الخدمية الأخرى.

يذكر ان قيمة تمويلات البنوك المحلية لقطاع الصناعة للمقيمين وغير المقيمين قد تراجعت خلال شهر يناير الماضي على أساس شهري بواقع 28.3 مليون دينار، وبنسبة 19% لتصل الى مستوى 120 مليون دينار مقابل 148.3 مليون دينار في شهرديسمبر 2024، فيما ارتفعت التمويلات على أساس سنوي بواقع 2.2 مليون دينار بنسبة 1.8 % بعد ان كانت 117.8 مليون دينار في ديسمبر 2023، فيما بلغ إجمالي تمويلات المصارف لقطاع الصناعة خلال عام 2024 نحو 1.2 مليار دينار. وبلغ اعلى مستوى للتمويلات منذ بداية عام 2024 في شهر اكتوبر الماضي بقيمة 257.9 مليون دينار، وجاء شهر اغسطس بالمرتبة الثانية بعد ان بلغ 118.7 مليون دينار فيما كان اقل مستوى في ابريل عند مستوى 25.3 مليون دينار.